العبسي خلال حفل تكريم الطلاب المتفوقين : الكنيسة أمّ يعنيها أمر أولادها جميعًا

رعى بطريرك انطاكية وسائر المشرق للروم الملكيين الكاثوليك يوسف العبسي حفل تكريم المتفوّقين في المدارس الكاثوليكيّة  في الامتحانات الرسميّة  عن سنتي 2017 و 2018  في مقرّ الأمانة العامّة للمدارس الكاثوليكيّة – عين نجم . بحضور الاب بطرس عازار الامين العام للمدارس الكاثوليكية وحشد من الاباء والراهبات ورؤساء ورئيسات المدارس اضافة الى اهالي الطلاب المحتفى بهم واساتذتهم وعدد من الاصدقاء والمهتمين

والقى العبسي كلمة قال فيها

كم يسعدني أن نلتقي جميعًا في هذا الصرح الشامخِ، مقرِّ الأمانةِ العامّةِ للمدارس الكاثوليكيّةِ في لبنان، لنتشارك فرحًا حقيقيًّا أصيلاً برؤيتنا كوكبةً لامعةً من متعلّمينا ومتعلّماتنا حائزي المراتب الأولى في الامتحانات الرسميّة بشقّيها الأكاديميّ العامّ والمهني-التقنيّ، للسنتين 2017 و 2018 ، تقتحم عالم التخصّص الجامعيّ والمهنيّ من الباب الملوكيّ، بابِ التفوّق والتميّز.

أيّها الطلاّب الأحبّاء  !

إنّ تميّزكم هو ثمرة  حسنِ استغلالكم الوزنات التي أودعتكم إيّاها محبّة الله حين دعتكم إلى الوجود وهيّأت لكم سبلَ النموِّ في الحكمة والقامة والنعمة، من خلال حضن عائليّ محبّ، ومواكبة أكاديميّة وتربويّة وإنسانيّة  وروحيّة رافقتكم فيها الأسر التربويّة لمدارسنا الكاثوليكيّة  بهيئاتها الإدارية والتعليميّة من مدراءَ ومسؤولين تربويّين ومعلّمين ونظّارٍ وسائر المعاونين…

أن تكونوا قِبلة الأنظار في احتفالنا اليوم، وعددكم يكاد يناهز المئة من بين  حوالي الأربعين ألف متعلّم تقدموا للامتحانات الرسميّة على اسم مدارسنا الكاثوليكيّة في سنتين، لهو بدون أي شكِّ مدعاةٌ للافتخار والاعتزاز لأنّه حصادُ الزرع الذي تكاتف على غرسه ورعايته ومتابعته أهلُكم ومعلّموكم وإداراتكم  بانسجام الرؤى وتكاملِ الأدوارِ وتنوّعها ؛ لكن ما هو حقيقة ٌأيضًّا أنّ تفوّقَكم في عمقه هو بالدرجة الأولى تفوُّقكم على ذواتكم .

اضاف العبسي : إنّ حيازتكم  المعدّلات العليا من العلامات في الاختبارات الرسميّة، على كونه إنجازًا مرموقًا لا لبس فيه، هو مع ذلك أسيرُ محدوديّة  نظام القياس والتقويم الذي يجري عليه كثير من الأنظمة التربويّة في العالم التي لا تعنى إلاّ بقياس  الجانب المعرفيّ على حساب المواقف والمهارات الحياتيّة والعمليّة والميول والاستعدادات النفسيّة والعلائقية والقيميّة والوطنيّة والمواطنيّة والروحيّة. وفي هذا السياق يحضرني إسهام الباحث السويسريّ المعروف فيليب بيرونو (Philippe Perrenoud)  المتخصّص في علم اجتماع التربية، حيث يقيم تمييزًا بين المنهج الرسميّ أو الشكليّ (curriculum formel) والمنهج الفعليّ (curriculum réel) والمنهج الخفيّ (curriculum caché).

يُعرَّف المنهج الخفيّ بكونه المنهجَ المتكّونَ من السلوك والقيم التي تُنقلُ للمتعلّمين بواسطة المعلّم أو المدرسة  أو الأهل أو المحيط من دون تخطيط. وهو بذلك يشكّل مخرجاتِ المدرسةِ غيرِ الأكاديمية. فالقيمُ السائدةُ والتفاعلُ الاجتماعي يتلقّى تداعياتِها المتعلّمُون من خلال تعاملِ المعلِّمينَ مع التلاميذ، وتعاملِ المعلّمين، بعضِهم مع بعضٍ، و من خلال أحاديث المعلّمين العلميّة والفكريّة وسواها، ومن خلال الأنظمة والقوانين والتعليمات التي تفرض على المتعلّمين، وحتّى في طريقةِ جلوسهم في الفصلِ، وطريقةِ مزاولتهم الأنشطة… أي إنّه يَظهر في أيّ شكل من أشكال التفاعل الاجتماعيّ داخل المدرسة. كلّ هذا يشكّل –بحسب الأبحاث التربويّة- مانسبته 70% على الأقلّ من مجمل ما يتعلّمه المتعلّم في حياته المدرسيّة ؛ هذا كلّه لا يقاسُ بعلامات ولا يخضع للاختبارت المدرسيّة أو الرسميّة ولا تصنيفَ فيه لمتفوّقين أو متمّيزين!

في هذا الإطار تأخذ مناشدة بولس الرسول الكورنثييّن في رسالته الأولى إلىيهم كلّ مداها: “لو كُنْتُ أَنْطِقُ بأَلْسِنَةِ النَّاسِ والملائِكَةِ، ولَمْ تكُنْ فيَّ المَحبَّةُ، فإِنَّما أَنا نُحاسٌ يَطِنُّ، أَوْ صَنْجٌ يَرِنّ… ولو كنتُ أَعْلَمُ جميعَ الأَسْرَارِ والعِلْمَ كلَّهُ، … ولم تكُنْ فيَّ المحبَّةُ، فلَسْتُ بِشَيء”. افتخارنا الحقيقيّ أيّها الأحبّاء هو في الربّ : “فَمَن أرادَ أَنْ يَفْتَخِرَ فَلْيَفْتخِرْ بالرَّبّ”

أيّها الحفل الكريم !

إنّ الكلام على المنهج الخفيّ يُفضي بنا لزومًا إلى أن نعرّج  في هذه العجالة، على الحال العامّة التي تسود أجواء المدارس الخاصّة والكاثوليكية منها منذ نشر القانون 46 المعروف بقانون سلسلة الرتب والرواتب في نهاية شهر آب من العام 2017. فالتصدّعات التي أحدثتها تداعيات هذا القانون بين مكوّنات أسرنا التربويّة (المعلّمين والأهالي والمتعلّمين والإدارات) لم تكفَّ عن الإمعان في ضرب غنى الإرث التربويّ والثقافيّ الذي أخصبت به مؤسّساتُنا التربويّة الكاثوليكيّة تاريخَنا الاجتماعيّ  والحضاريّ والوطنيّ.

أيّها الأحبّاء !

إنّ الكنيسة هي أمّ يعنيها أمر أولادها جميعًا : المتعلّمين والأهالي والمعلّمين والإدارت. فالمعلّمون محقّون في مطالبهم، والأهالي ليس في مقدورهم تحمّل الأعباء الماليّة التي تفرضها الزيادات الباهظة على الأقساط المدرسيّة في ظلّ الأزمة الاقتصاديّة الحاليّة، والإدارات تقف حائرة بين الطرفين…

ومن حيث إنّه ليس في مصلحة أحد أن تستمرّ الأزمة إمعانًـا في ضرب وحدة الجسم التربويّ لأنّ الهيكل إن سقط – لا سمح الله – فهو سيَسقط على رؤوس الجميع ؛ فلا بدّ والحال هذه من إحداث اختراق ما  في الستاتيكو الراهن أساسُه الإحساسُ المشترك بوحدة المصير والمآل، والسعيُ الحثيث لإيجاد التسويات المقبولة على قاعدة العدالة والتوازن في ظل الممكن، إنقاذًا للوضع برمّته، مع التشديد على دور الدولة بوصفها الراعيةَ الأولى لمواطنيها ومن واجبها تأمينُ مقتضيات الصالح العامِّ والتعليم كخدمة عامّة بامتياز من اللزوم  إدراجه ضمن أولويّات الهمّ الحكوميّ.

إنّنا إذ نعلن تضامننا مع كلّ المبادرات التي ترعاها الكنيسة سواء كتلك التي حصلت في لقائَي بكركي الأوّل والثاني ومع سائر مقرّرات اللجنة الأسقفيّة للمدارس والأمانة العامّة للمدارس الكاثوليكيّة في لبنان، لسنا نعفي أنفسنا نحن المسؤولين الكنسيّين من موجب إجراء نقد ذاتيّ لواقع مؤسّساتنا الكنسيّة ومدى ملاءمتها لمقتضيات رسالتها وخدمتها، سواء على المستوى المؤسّسيّ أم على مستوى الشهادة الشخصيّة للمسؤولين الكنسيّين والتربويّين.

 

عن presslebanon1

شاهد أيضاً

ملتقى التأثير المدني: مرض الأحلاف الخبيثة!

برس ليبانون ـ دوًن ملتقى التأثير المدني عبر حسابه الخاصّ على موقع “إكس” فكتب: “إعادَةُ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *