انتهت انتخابات الهيئة التنفيذية للمجلس الاعلى لطائفة الروم الملكين الكاثوليك لتبدأ معها حملة من التضليل استهلتها رئيسة الكتلة الشعبية ميريام سكاف بنقديم استقالتها عبر وسائل الاعلام من الهيئة ، وليس لبطريرك الطائفة يوسف العبسي الذي كان قد سماها من بين عدد كبير من المرشحين كما تقضي الاصول .
وكانت سكاف قد استبقت الاستقالة بمقاطعة الانتخابات التي جاءت توافقية بعد ان واكبها البطريرك بالمشاركة مع اقطاب الطائفة واركانها من نواب ووزراء ، فخرجت من المجلس برمته فاخرجت معها الكتلة الشعبية وعائلة سكاف الكاثوليكية العريقة من المعادلة ومن مركز قرار الطائفة، فحرمت بذلك الكتلة الشعبية من المشاركة في القرار الكاثوليكي ، من دون ان يؤثر ذلك على تمثيل زحلة ، بل على العكس تماما فان عاصمة الكثلكة تمثلت باكبر عدد من المناصب منذ تأسيس المجلس بعد ان استغل خصومها الزحليين سلسلة الاخطاء التي ارتكبتها منذ ان ترأست الكتلة ليس انتهاءا بالانتخابات البلدية التي خرجت منها بخسارة لا تعوض، مرورا باللهجة العالية السقف التي خاطبت بها الجميع خلال الذكرى السنوية الثانية لرحيل “البك” ولم تستثن حتى البطريرك، فوقعت في الافخاخ والمزايدات التي نصبت لها في قلب زحلة متغاضية عن تنبيهات الحريصين عليها من داخل المدينة وخارجها.
خروج الكتلة الشعبية من المعادلة الكاثوليكة دفع ببعض كوادرها الى نقاشات حادة حول ما اذا كان هذا الخروج يشكل قيمة مضافة للكتلة ام انه يحرمها من اسماع صوتها داخل مركز القرار، خصوصا ان رئيستها تحمل المسؤولية لجميع الافرقاء الذين شاركوا في التوافق، بما ادى الى استياء شديد من غالبيتهم ، وتساؤلات كثيرة حول التزامها الكاتوليكي العميق وليس العلني، لاسيما ان هناك من كان يبدي تعاونا مطلقا معها، في مقابل تعاطي فوقي سلبي استمر حتى ما قبل الانتخابات بساعات. وانتهى الى تهجم على البطريرك العبسي ورفض تعيينه لها وهجوم على نائب الرئيس الوزير فرعون باتهامات باطلة تتمحور حول عدم وفائه بوعوده مع انه بقي واقطاب على تواصل كامل معها ومع اركان الكتلة من خلال الامين العام السابق العميد شارل عطا الذي شغل منصب الامانة العامة للولاية السابقة بناءا على تسميته من قبل الوزير الراحل الياس سكاف شخصيا وبموافقة من الرئيس العماد عون انذاك .
في المقابل وبحسب المشاركين في الاتصالات التي استمرت اسابيع طويلة فان فرعون كان الاحرص على مشاركة الجميع ومن دون اي استثناءات على قاعدة الاوزان والاحجام التمثيلية مع يقين الجميع بان اي معركة فعلية كانت ستنتهي لمصلحته نظرا لما يشكله من ثقل سياسي ومعنوي كمرجعية أولى للطائفة منذ سنوات وما يحظى به من دعم داخل جسم الاكليروس اضافة اللى العلمانيين من فاعليات الطائفة فضلا عن تعاطيه بدقة مع خصوصيات المناطق بمساعدة فريق عمل واسع يعمل معه من اجل الطائفة ، غير انه عمل دون كلل من اجل اخراج المشهد التوافقي لعلمه بان تمني البطريرك ومصلحة الطائفة العليا تقضيان بالتوافق منعا لارتدادات تشكل عائقا امام انطلاقة العهد البطريركي الجديد ولو ان انتاج وتأمين الأكثرية يبقى الممر الاجباري الذي يوصل الى التوافق.
اما وقد انقضى الاستحقاق فلا بأس من العودة الى كواليسه خصوصا انه اي الاستحقاق ترافق مع اجواء متشنجة تخللها مشهد غير مسبوق منذ انشاء المجلس قبل عقود مترافقا مع انطلاقة العهد البطريركي الجديد ، وتهجم اعلامي وصل الى حد التجني على نائب الرئيس العلماني الوزير ميشال فرعون بعيدا عن حقيقة أجواء المجلس التوافقية الهادئة واستقراره الذي شكل فيه فرعون بيضة القبان ، و الثابت والاكيد ان فرعون تواصل مع سكاف واركان الكتلة الشعبية خلال حقبة الانتخابات اضافة الى العميد شارل عطا الذي استاء اكثر من مرة نتيجة عدم السماح له بادارة المعركة اذا ما جاز التعبير والخروج بالحد الادنى من الخسائر بعد ان استشف سلبيات المسار الذي سلكته سكاف على صعيد وحدة الطائفة التي دخلتها مؤخرا من جهة ، وخسارة معنوية جديدة للكتلة الشعبية ما قد يؤثر على الاستحقاقات المقبلة عليها من جهة ثانية . اضافة الى علاقة ثقة مع فرعون والامتعاض للظلم الذي لحق بتجاهل نجاح المجلس من دون مبرر شرعي ولا مسوغ منطقي، وهما المؤتمنان على اسرار الطائفة ومع العلم اليقين بان فرعون يداري الخصوصية الزحلية ويفهمها جيدا من دون ان يتدخل في تفاصيلها ولا في زواريبها ، مع ان له فيها صداقات وانصار ومحبين .
وبالعودة الى الاستحقاقات السابقة ، فان السياسة دخلت على معظمها بدءا من ولاية 1999، حيث تنازل الوزير فرعون بطلب من والده الراحل بيار فرعون الذي كان يمسك “مفتاح” المجلس عن نيابة الرئاسة لمصلحة الوزير الراحل الياس سكاف نظرا الى ان الاخير كان مطوقا سياسيا بكل ما للكلمة من معنى ، وكونه كان بحاجة ماسة الى متنفس حقيقي يقيه المزيد من التدخلات السورية والحرب التي كانت معلنة عليه انذاك على ان تعود المداورة بين الرجلين الى سابق عهدها بعد انتهاء الولاية.
الا ان الظروف السياسية لم تتبدل في ولاية 2002، فطلب الوزير الراحل انذاك ايلي سكاف من فرعون الذي كان يشغل منصب وزير دولة لشؤون مجلس النواب في تلك المرحلة ان يعاد انتخابه توافقيا تمهيدا لفك الحصار السياسي عنه ، فكان ما طلبه واعيد انتخاب “البك” مجددا لاستكمال ولاية ثانية تنتهي في العام 2005 ، حيث عاد ميشال فرعون الى نيابة الرئاسة بثقة فريق واسع من المجلس وبتوافق الوزير سكاف بالإضافة الى خيار فؤاد الترك كأمين عام .
ودخلت البلاد فيما بعد في النفق السياسي المظلم وادى الى انقسامها بين فريقين اذاريين اساسيين انعكست على كل المرافق السياسية والدينية وحتى الامنية مع حرص سكاف وفرعون ان يبقى تأثير الانقسام والخلاف السياسي محدود على المجلس الأعلى واستحقاقاته نظرا لخصوصيته.
واستمر الحال حتى ولاية 2014 حيث كانت البلاد في ادق مراحلها ، فبدأت الاتصالات بين الوزيرين الراحل الياس سكاف من جهة وميشال فرعون من جهة ثانية ، اضافة الى اتصالات جانبية بين السكاف وفرعون مع العماد عون والبطريرك السابق غريغيوريوس لحام . بيد انها اي الاتصالات اثمرت بان تؤول نيابة الرئاسة الى الوزير فرعون الذي اصر على التوافق بدل وصوله منِ باب انتخابات في وقت يسمي فيه السكاف بالتوافق مع عون الامين العام اضافة الى سبعة اعضاء من اصل أربعة عشر، فاقترح فرعون ولحام ان يعلن التوافق من دارة ال السكاف في اليرزة نظرا لوضعه الصحي وبحضور لحام وذلك حرصا على رمزية الدار الذي حافظ عليها فرعون باصرار من خلال نأيه بنفسه وبالمجلس الاعلى عن الصراعات الزحلية، بل على العكس وقف الى جانبها في استحقاقاتها الاستراتيجية على غرار وقوفه الى جانب البك الراحل في معركته البيئية والكنسية مما استفز الفيق الذي اطلق لاحقا معركة استحقاق ال 2017 وفي متابعة بعض ملفاتها بناء على طلب مرجعياتها كما حصل في ما بعد بالتنسيق مع هيآتها المنتخبة .
انطلاقا من هذه الحقبة التي يعرف اسرارها الكثير من المقربين من الرجلين ومن البطريركية ، عمل فرعون على الاستمرار بالتوافق ايمانا منه بتحييد المجلس من المسائل السياسية الضيقة والتركيز على المسائل الميثاقية الوطنية والتي تخص شؤون الطائفة. فواجه في انتخابات 2017، بعد غياب سكاف وتغيير الأكثرية في مجلس بلدية زحلة، معادلة جديدة حيث حاول فريق سياسي وكنسي خصم للسيدة سكاف في زحلة إزاحة فرعون لاهداف سياسية وتحت عنواين مختلفة قبل ان يتراجعوا نظرا للمعادلة القائمة، واصطدم فرعون وفريقه الواسع بعدم تفهم السيدة سكاف لحقيقة المناورة الجارية التي كانت تستهدفها بقدر ما تستهدف اوساط كنسية وفرعون ، لوقوف الاخير الى جانب “البك ” الراحل في محطات مفصلية وعدم إمكانية اقناع فريقها بمصالحها في المعركة وبالتالي اصطدموا خلال التفاوض معها بالتعنت والتهديد والوعيد والاتهامات وصولا الى خروج الكتلة الشعبية من المجلس الاعلى كما كانت قد خرجت من اي تمثيل في البلدية الحالية وذلك بفضل وقوعها في الافخاخ والاداء الخاطىء الذي لا يقيم وزنا لاي حوار او اي توافق على قاعدة انا او لا احد، الا ان الحياة العامة لا تعترف بهذه المقولة اذ تتحول الى انا داخل اللعبة او خارجها ……
خلال هذه الاشكالية دخلت قوى زحلية فاعلة على تواصل مع فرعون ، وعلى رأسها رئيس البلدية اسعد زغيب، والوزير السابق سليم وردة، والمحامي سامي خوري والسيد ميشال ضاهر واعيدت معادلة 2014 التي امنت استقرارا للمجلس، بتزكية الوزير فرعون الى نيابة الرئاسة والتوافق على مدير عام وزارة الزراعة الزحلي المنشأ والهوى لويس لحود امينا عاما ، والذي شكل نقطة تلاقي بين زغيب وباسيل من دون استفزاز سكاف وذلك بالرغم من تحفظ المطران درويش ، وتأمنت مشاركة زحلية لا سابق لها، مع امتناع الوزير جريصاتي الترشح من اجل التوافق الذي حصل بين فرعون والوزير جبران باسيل ورئيس بلدية زحلة اسعد زغيب باستثناء السيدة سكاف التي استقالت من المجلس بعد ان رفضت التعاون مع أي فريق من زحلة وخارجها بالرغم من خصوصية الاستحقاق كما رفضت العروض والمشاركة بالاسماء المقترحة لها، فتأمن التمثيل الوازن في المجلس عبر الوزير سليم جريصاتي والنائب طوني بوخاطر ولويس لحود وسليم خوري وسليم قيماز وانتخاب الأعضاء سليم وردة ويوسف جحا و طوني طعمة ونيقولا العموري و غسان المعلوف…بالاضافة الى تأمين مشاركة وازنة من فعاليات تمثل الخصوصيات المناطقية والسياسية للطائفة.